تأسس برنامج ماجستير “الحفظ المعماري” في الجامعة الألمانية الأردنية عام 2016 بدعم من شبكة التراث الأثري، ويمنح الطلبة الأردنيين واللاجئين مؤهلات أكاديمية في مجالات علم الآثار المعمارية والحفاظ على التراث والحفاظ على التراث الثقافي. وكان الطالبان السابقان إيناس قاسم وأحمد الحريري مدربين في الدورة التدريبية حول استعادة التراث الثقافي ما بعد انتهاء الصراع، والتي بدأت في إطار مشروع “ساعة البدء” من قبل قسم تاريخ العمارة وأبحاث العمارة التاريخية والحفاظ على المباني التاريخية والحفاظ على التراث في جامعة برلين التقنية. ويتحدث المدربان في هذه المقابلة عن تجاربهما وتصورهما للتراث الثقافي في المنطقة.
هلَّا حدثتنا عن برنامج ماجستير “حفظ التراث المعماري“؟
إيناس: أجرينا العديد من الدورات النظرية مع مدرِّسنا في الجامعة الألمانية الأردنية، كما أجرينا تدريباً عملياً لمدة أسبوع أو أسبوعين في كل فصل دراسي مع المحاضرين الزائرين. وأقمنا دورات مختلفة في النظرية والتوثيق اليدوي والرقمي والمساحة التصويرية، تلتها دورات في تشخيص وتقييم الأضرار، فضلاً عن محاضرات عن إدارة السياحة وإدارة الموقع. وتم استكمال البرنامج بإقامة ورش عمل مكثفة مع المحاضرين والأساتذة من ألمانيا.
ما أبرز المهارات والمعلومات التي اكتسبتها في الدورة؟
أحمد: كان التطوير على الصعيدين النظري والتطبيقي. حيث كانت دراستي تقتصر على الهندسة المدنية، لذا كان تعلم مبادئ الحفظ المعماري والثقافي مفيداً جداً. وكنت مسؤولاً في ورش عمل الحفظ المعماري عن “المحطة المتكاملة”، وهي أداة إلكترونية يتم استخدامها في المسح، حيث أتمتع بخبرة في استخدامها بفضل عملي كمهندس. إلا أن طريقة استخدامها في مجال الحفظ المعماري مختلفة. كما أنني استفدت من معالجة بيانات المساحة التصويرية والنتائج الدقيقة التي حصلنا عليها.
يمكن أن يكون العمل الميداني في أثناء التدريب العملي مغامرة. كيف يمكنك وصف هذه التجربة؟
إيناس: لقد كانت مغامرة فعلاً، حيث يكون العمل الميداني مثيراً في بعض الأحيان. تعيَّن علينا أن نتسلق بعض الأماكن لتوثيق الموقع الترايث. لم يكن الوصول إلى كل شيء يسيراً، وكنا في البداية قلقين جداً بشأن التسلق. لكننا حظينا بأوقات ممتعة خلال محاولاتنا. في إحدى المرات خلال عملنا في جرش، كان الجو حاراً ومشمساً جداً في أثناء التنقيب، وكنا على عمق 5 أمتار تحت الأرض نعمل على توثيق الشظايا المعمارية التي ظهرت خلال التنقيب. كان تلك مغامرة فريدة، وأتمنى أن أعيش هذه اللحظات مجدداً.
في أحد الفصول الدراسية، كنا نُجري كل يوم سبت زيارة ميدانية إلى مسجد قديم في المناطق النائية لتوثيقه. وكنا نحاول إيجاده باستخدام خريطتنا وسؤال السكان من حولنا. فنجد أحياناً المسجد الذي نبحث عنه، بينما نجد في أحيان أخرى مسجداً أعيد بناؤه بالكامل، أو مسجداً جديداً كلياً، وأحياناً لم نتمكن من العثور على أي شيء! وذات مرة زرنا مسجداً قديماً في قرية نائية، فتجمَّع الأطفال حولنا بصخبهم ومشاكساتهم عند وصولنا إلى المئذنة. لقد كانوا أشقياء جداً!
أحمد: نعم، كانت التجربة كلها ممتعة. لكنني أحببت زيارتنا إلى منطقة أم قيس في عام 2018، فلم أتوقع أن تكون قريبة جداً من بحيرة طبريا، وكانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها البحيرة، وقد أدهشني جمال المشهد والموقع، ولن أنسى زيارتنا هذه ما حييت.
كيف أثر ت المشاركة الدولية من ثقافات متعددة على دراستك؟
إيناس: شاركت من قبل في تجارب متعددة الثقافات، حيث تضمن البرنامج طلبة سوريين وأردنيين وعراقيين عملنا معاً في مجال التراث الثقافي، واتضح في أحاديثنا أن الطلبة يحبون تراثهم. وفهمنا وجهات النظر المختلفة لزملائنا وتراثهم، وتحدثنا عن التجارب السابقة في دولهم. كنت أشعر بفضول لأعرفهم أكثر، وتعلمت منهم الكثير.
كنتم طلبة من جنسيات مختلفة، تجمعكم شؤون تراثية مشتركة. هل كان لهذا دور أثناء الدراسة؟
أحمد: تخرجت من الجامعة في سوريا عام 2009. وكنا في ذلك الوقت ندرس مع طلبة من دول مختلفة، مثل الأردن والسودان ومصر والعراق وتونس والجزائر… ربما كان الاختلاف في كيفية تقدير الناس لتراثهم، وكنت سعيداً برؤية كيف يعتنون بتراثهم. لم نتعامل مع هذا الموضوع كثيراً خلال دراستي في سوريا، لذا كان النهج بأكمله جديداً عليَّ.
إيناس: عندما نتعلم الحفاظ على الأحجار، على سبيل المثال، فإننا نستخدم الأساليب نفسها في سوريا أو في لبنان. لكن قد يكون الأمر مختلفاً بعض الشيء في العراق بسبب استخدام اللبن في البناء، إلا أن الأساس والتقنيات تتشابه. ويمكن تطبيق ما تعلمناه في كل مكان.
كيف كانت تجربة العمل مع المدربين الألمان؟
إيناس: حصلنا على الكثير المعلومات في وقت قصير جداً خلال الدورات التدريبية، فكانت تجربة أثْرَت عقولنا. كما أجرينا العديد من دراسات الحالة النظرية مع مدرسينا المقيمين. على سبيل المثال، أجرينا في دورة التشخيص الكثير من دراسات الحالة من جميع أنحاء المنطقة، ولم نُجرِ زيارات ميدانية كثيرة، لكننا عوضنا ذلك في أثناء التدريب الذي أجراه المعلمون الزائرون. لذا فإن الدورات التي أجراها كل المعلمين الألمان والأردنيين تكمل بعضها الآخر.
أصبح كلاكما مدرباً الآن. كيف تشعران حيال هذا؟
إيناس: لم أكن أتوقع أن أصبح مدربة في هذه المدة القصيرة، لكنني لم أتردد في القبول عندما تلقيت اتصالاً من مدى صالح من جامعة برلين التقنية ومحسن البواب وعرضا عليَّ هذه الفرصة. لقد ملأني ذلك بالاعتزاز، ولم أعتقد أنني قادرة على تولي هذه المهمة، لكننا عملنا بجدٍّ، وأنا سعيدة بهذه الفرصة.
أحمد: أحببت استخدام جهاز المحطة المتكاملة منذ مشاركتي في ورشة العمل الأولى كطالب عند كلاوديا فينترشتاين والبروفيسور تيكلا شولتز-بريتز، وكنت بارعاً في استخدامه. وبذلك أظهرت اهتمامي وأثبتُّ أنني أتمتع بالمعرفة الأولية اللازمة لاستخدام الجهاز لكوني مهندساً مدنياً وعلى دراية بتقنيات المسح. حاولت إنجاز أكبر قدر ممكن من العمل باستخدام المحطة المتكاملة لاكتساب المزيد من المعرفة المتعلقة باستخدام هذه الأداة في مجال الحفظ المعماري. وبعد ذلك تواصلت معي مدى صالح، وعرضت عليّ فرصة التدريب الدورة التدريبية التي تجريها جامعة برلين التقنية في الأردن، فوافقت على ذلك، وتشرفت بخوض هذه التجربة واستمتعت بها.
ما المواضيع التي تناولتماها في دروسكما؟
إيناس: اخترت تدريس إدارة المواقع الثقافية نظرياً وعملياً. ووضعنا خطة لإدارة موقع في عمَّان (قصر النويجيس)، وذهبنا في زيارة ميدانية إلى موقع عراق الأمير، وهو نصب هلنستي في عمَّان. ولكوني عملت في السابق في دائرة الآثار العامة، فإنني أعرف المواقع الأثرية جيداً، وصحبت الطلبة إليها لمناقشة كيف تدير دائرة الآثار موقع عراق الأمير.
أحمد: تضمنت الدورة جانباً نظرياً وآخر ميدانياً، حيث وفرت في القسم النظري الدعم للطلبة الذين لم يتمتعوا بمهارات لغوية قوية، وشرحت المصطلحات الفنية باللغة العربية. أما في التوثيق الميداني، فاستفدت من عملي السابق على جهاز المحطة المتكاملة ومعرفتي بالمصطلحات. لذا تمثلت مهمتي في مساعدتهم على إتقان استخدام هذه الأداة.
هل كانت التجربة سهلة؟
إيناس: كانت تجربة مليئة بالتحديات، حيث تعيَّن عليَّ أن أستعد كثيراً كل يوم قبل الدروس أو زيارات المواقع. لكنني أحببت العمل كثيراً، لذا الآن أفكر في العمل في الأوساط الأكاديمية ومواصلة التدريس. كانت التجربة متميزة، فالمتدربون في عمري نفسه تقريباً، لذا كنا مثل الأصدقاء، وحظينا بأوقات ممتعة.
أحمد: كانت التجربة مليئة بالتحديات بالنسبة لي أيضاً، فهي المرة الأولى التي أدرّس فيها على هذا المستوى. أتمتع بخبرة في تدريس اللغة الإنجليزية والرياضيات للطلبة، لذا لم يشكِّل التدريس بحد ذاته مشكلة، لكن إعداد الدروس في موضوع ما تزال خبرتي فيه متواضعة كان أمراً صعباً، وجسَّد ذلك تحدياً تعيَّن عليَّ مواجهته والتغلب عليه. كانت التجربة ممتعة، وأدركت فيها مقدار المعرفة التي اكتسبتها، وكنت سعيداً بنقلها إلى جيل لا يصغرني في السن كثيراً.
هل غيرت تجربتا الدراسة والتدريس وجهات نظركما حيال التراث الثقافي؟
إيناس: عملت في السابق مع قسم الآثار، وأكسبني ذلك خبرة ومعرفة بالتراث الثقافي، ولو أنها مختلفة قليلاً عن الدورة التدريبية التي اكتسبنا فيها الكثير من الخبرات ووجهات النظر الجديدة تجاه التراث الثقافي، لكن الأمر مختلف كلياً من الناحية العملية أو الإدارية. فهناك الكثير من القوانين والقيود التي تحسب لها حساباً في عملك، مثل الميزانية والإدارة والوصول إلى المعلومات، فهي أمور تكتسي أهمية أكبر في الحياة الواقعية مقارنة بأهميتها لنا كطلبة.
أحمد: تأثرت كثيراً برؤية تدمير التراث الثقافي السوري في وسائل الإعلام بين عامي 2015 و2016، وفي حالة تدمر عام 2014، فقد عملت بالقرب من تدمر كمهندس، وزرت المدينة شهرياً، لذا تجمعني علاقتي خاصة بموقع التراث العالمي هذا. وقد أحببت تدمر جداً كزائر لها وليس كمتخصص، وانفطر قلبي من مشاهد الدمار من بعيد. لم أتوقع آنذاك أنني سأكون جزءاً من مجموعة تلتزم حماية التراث الثقافي، وكانت صور الدمار في تدمر إحدى الأسباب التي دفعتني إلى التقدم لبرنامج ماجستير “الحفظ المعماري”.
هل تخططان في المستقبل للتركيز على موضوع معين؟
إيناس: حاولت في رسالة الماجستير التركيز على بعض المسائل الفنية والجمع بين علم الآثار وخبرتي في الهندسة المعمارية. وانصب تركيزي على السقوف الواقية للأرصفة الفسيفسائية، وأجريت العديد من دراسات الحالة من الأردن. وفي المستقبل، أخطط لإجراء بحث حول كيفية تأثير البنية التحتية الحضرية على حفظ الأصول التراثية. كما لدي اهتمام شخصي بالإعلام وصناعة الأفلام، وأفكر في دراسة كيفية تأثير وسائل الإعلام على تفسير التراث.
أحمد: تناولت رسالة الماجستير التي قدمتها الأضرحة في شمال ووسط الأردن، وهو موضوع مرتبط بالآثار في سوريا وفلسطين، كما تضم تدمر آثاراً مماثلة. وأفكر في الكتابة مستقبلاً عن طرائق عملية للحفاظ على الآثار في تدمر.
الآن، بعد أن شاركتما في برنامج الدراسة وأصبحتما مدربين، هل تعتبران أنكما مناصران لحماية التراث الثقافي؟
أحمد: أصبحت الآن أنظر إلى التراث الثقافي بعين المتخصص، وذلك يؤثر بالتأكيد على تفكيري وإدراكي. ففي السابق كنت أزور الآثار وأشاهدها فحسب، أما الآن فأنظر بعين مدققة، وأشعر بالأسف عندما أزور آثاراً لم تحظَ بالاهتمام اللازم. لقد تطورت مشاعري تجاه هذه الآثار، وأشعر الآن بمسؤولية أكبر للدفاع عن تراثنا الثقافي والحفاظ عليه. كان انضمامي إلى هذه البرنامج تجربة فريدة، فهو برنامج جديد في المنطقة، وتغيرت بفضله نظرتنا إلى التراث والآثار بعدما كنا نقدرهما من منظور السياحة فحسب.
إيناس: بعد اكتسابي لهذه المعرفة والخبرات، أشعر بأنني مسؤولة عن نشرها والدفاع عن تراثنا الثقافي، لكن ما زال الطريق أمامي طويلاً، وعليّ أن أفهم الصورة الكاملة قبل أن أتمكن من مشاركتها مع الآخرين. وأتمنى ألا ينظر الجميع إلى تاريخنا وتراثنا كجانب منفصل من جوانب الحياة، فالتاريخ يمثل أساس المستقبل الذي نسعى إلى بلوغه.
شكراً لكم!
أجريت المقابلة عبر تطبيق سكايب بواسطة د. ناتالي كلاس وإيفا جوتينغ.
لقراءة المزيد: