المدرسة الأحمدية – مثال فريد من فترة الإمبراطورية العثمانية | حوار مع أحمد مصري

المدرسة الأحمدية – مثال فريد من فترة الإمبراطورية العثمانية | حوار مع أحمد مصري

المدرسة الأحمدية – مثال فريد من فترة الإمبراطورية العثمانية | حوار مع أحمد مصري 🗓

25/03/2019
Scheduled أخبار مقابلة

أجرت L.I.S.A. حواراً مع أحمد مصري، مشارك في برنامج “حُماة التراث الثقافي” – وهو  منحة للمتخصصين السوريين في تركيا.

استجابة للدمار الهائل الذي لحق بالتراث الثقافي السوري، وسعياً للحفاظ على هذا التراث وحمايته، وفي إطار مشروع “ساعة البدء – مستقبل ما بعد الأزمة“، أطلق فرع إسطنبول في معهد الآثار الألماني (DAI) مشروع “حُماة التراث الثقافي” في أكتوبر 2016. امتد مشروع “حماة التراث الثقافي” على مدار 24 شهراً، وشاركت في تأسيسه مؤسسة جيردا هنكل. وتم اختيار خمسة متخصصين سوريين في مجال التراث (علماء آثار ومهندسون معماريون…إلخ) مقيمين في تركيا، لتنفيذ مشاريعهم المقترحة في إطار تدريبهم استعداداً لفترة ما بعد الصراع في سوريا.

وقد وجهت L.I.S.A. إليهم أسئلة عن عملهم ضمن برنامج حُماة التراث الثقافي وخططهم للمستقبل. وكان الحوار الرابع من هذه السلسلة مع السيد أحمد مصري حول مشروعه “المدرسة الأحمدية في حلب – ترميم وإعادة تأهيل متحف حلب في العهد العثماني”.

L.I.S.A.: ما هو مشروعك؟ وما الذي أثار اهتمامك بهذا الموضوع؟

مصري: تعدّ مدينة حلب إحدى أقدم المدن المأهولة في التاريخ، وتشتهر بمئات المعالم التاريخية والدينية والعلمية التي تشهد على التراث الذي تركته مختلف الدول والإمبراطوريات التي حكمت المدينة، والتي تمثّل بدورها حضارات قديمة امتدت على مدى آلاف السنين. وقد كانت الإمبراطورية العثمانية آخر هذه الإمبراطوريات، وتركت وراءها عشرات المساجد والمدارس والخانات والمواقع التاريخية الأخرى. كما تعدّ حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا القديمة والحديثة، وتجسّد المدينة القديمة فيها تحفة فريدة ومذهلة، حيث تضم مئات المباني التي تمثل مختلف الحضارات والعصور التاريخية، ما حدا بمنظمة اليونسكو إلى تسجيلها في قائمة مواقع التراث العالمي عام 1986.

أحمد مصري، خريج برنامج حُماة التراث الثقافي.

وأسفرت الأحداث الدامية المؤسفة في سوريا منذ عام 2011، ولاسيما بعد اندلاع الحرب في حلب عام 2012 في قلب مدينة حلب القديمة، عن أضرار لحقت بالمدينة بسبب وابل الرصاص والشظايا والقنابل التي سقطت عليها، حيث عانت معظم المباني والمواقع الأثرية من تدمير جزئي أو كامل. لذا اخترت في دراستي أحد هذه المباني البارزة، وبدأت مشروع ترميم المدرسة الأحمدية وإعادة تأهيلها لتكون “متحف حلب في العهد العثماني“.

واخترت المدرسة الأحمدية مدفوعاً بالعديد من الأسباب لتكون موضوع دراستي من بين العديد من مباني حلب القديمة. أولاً، لما تتمتع به قيم تاريخية ودينية واجتماعية وفنية ومعمارية وعلمية وجمالية وروحية ورمزية. فهي تعدّ نموذجاً فريداً من عهد الإمبراطورية العثمانية، وتتميز بتصميمها الفريد وجمالها الأخاذ، فضلاً عن تفرّد موقعها ضمن نسيج المدينة المسورة، حيث تقع في حي الجلُّوم الذي يعد أحد أهم وأغنى أحياء حلب، وتتوسط المدرسة الأحمدية منطقة الأسواق القديمة في الحي. ويتمثل أحد الأسباب المهمة الأخرى لاختيار المدرسة الأحمدية في الضرر الذي لحق بالمبنى من جرّاء الأحداث الدامية في المدينة، وحالة الإهمال والتدهور والتعديات التي وقعت، حيث كانت المدرسة قيد التجديد قبل اندلاع الحرب، وتم إغلاقها قبل الانتهاء من أعمال الترميم. لذا أحسست بضرورة إعادة الدراسة ومراعاة ما تم إنجازه في أثناء الترميم.

في ورشة عمل لمعهد الآثار الألماني (DAI) حول “التوثيق المعماري” في برغاما/إزمير

ويتمثل الهدف الثاني من دراستي في إعادة تأهيل المدرسة الأحمدية لتكون “متحف حلب في العهد العثماني”، حيث سيستخدم هذا المتحف التكنولوجيا الحديثة لعرض المعلومات المتعلقة بموضوع المتحف.

واخترت هذه الفكرة لعدة أسباب، أهمها أن حلب كانت المدينة الثانية في العهد العثماني بعد إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية. وهذا ما جعل من حلب مركزاً مهماً يتمتع بأهمية اقتصادية وديمغرافية وحضرية، ومعبراً لمعظم قوافل التجارة البرية باتجاه الخليج العربي والعراق (وكذلك طرق القوافل الداخلية باتجاه البحر المتوسط). وإضافة إلى المتحف، تضمن مشروع ترميم المدرسة مكتبة و”مركز الدراسات العثمانية” المتخصص في دراسات بلاد الشام في العهد العثماني.

L.I.S.A.: هل توصَّلت إلى اكتشافات مفاجئة في أثناء البحث؟

مصري: تظهر هذه الدراسة أهمية المدرسة التي كانت مركزاً للعلوم في الماضي. كما توضّح كيف عانى المبنى من الإهمال وعدم الصيانة. واستعادت المدرسة أهميتها مؤخراً بسبب مشروع الترميم الذي قامت به المكتبة الوقفية في حلب. ومع ذلك، لم تكتمل أعمال الترميم، إذ لم تكن أعمال الصيانة القديمة للمدرسة متوافقة مع المواصفات المطلوبة، فطالب المقاول بتنفيذ العديد من التعديلات التي تعذر إكمالها بسبب اندلاع الأزمة في سوريا. لذا أجريت في دراستي تحليلاً لدراسة الترميم لتحديد النقاط البنّاءة والسلبية فيها. وتم تقسيم الأضرار إلى نوعين، الأضرار المعمارية العادية، والأضرار الهيكلية التي تتطلب تدخلاً سريعاً وإجراءات حماية طارئة.

عرض السيد مصري خلال الفعالية الختامية لبرنامج حُماة التراث الثقافي في إسطنبول، سبتمبر 2018

وعلى الرغم من تعرضها لكثير من الأضرار لأسباب مختلفة – بما في ذلك الأضرار الطبيعية الناجمة عن عوامل الطقس والإهمال، والأضرار البشرية الناجمة عن الحرب – إلا أن الأضرار التي لحقت بالمدرسة متوسطة، الأمر الذي كان مفاجئاً نظراً إلى الحالة الرهيبة للمباني المجاورة. كانت الحالة العامة للمدرسة جيدة نسبياً، فهي تتمتع ببناء جيد ومتين. وبفضل إجراء هذا البحث، أصبح لدينا الآن دراسة ترميمية كاملة مع رسومات للمدرسة الأحمدية.

“تسبب ذلك بتحديات تصل إلى تهديد الحياة”

L.I.S.A.: ما هي التحديات التي واجهتها في أثناء المشروع، وما الذي ساعدك في تخطيها؟

مصري: قبل تنفيذ المشروع في عام 2014، قمنا في “الجمعية السورية لحفظ الآثار والتراث” بإجراء بعض الأبحاث المسبقة المتعلقة بالمباني التاريخية في حلب، وزرت المدينة بنفسي لجمع بعض البيانات. ولكن الأوضاع في المدينة كانت آنذاك شديدة الخطورة، وتسبب ذلك بتحديات تصل إلى تهديد الحياة. لذا اتخذت مع زملائي بعض احتياطات السلامة، وحاولنا التحقق من المواقع قبل الذهاب إليها. في بعض الأحيان، لم نتمكن من دخول بعض المواقع بسبب وضعها المتردي، ولم تكن البيانات التي جمعناها كافية. لذا كان عدم إمكانية وصولنا المباشر إلى المباني يمثل التحدي الرئيسي الذي واجهناه. وبعد البحث التمهيدي، اخترت موضوع بحث محدد للعمل مع معهد الآثار الألماني (DAI) (ترميم مدرسة الأحمدية في حلب وإعادة تأهيلها).

وفيما يخص مشروع البحث، إضافة إلى البيانات التي تم الحصول عليها، تمكنت من الحصول على بعض البيانات القديمة حول هذه المدرسة. غير أننا واجهنا تحدياً آخر تمثل في عدم وجود تقارير تصف الأعمال المنجزة في أثناء الترميم الأخير الذي أجري للمدرسة، ما اضطرني إلى الاعتماد فقط على الزيارات التي أجراها فريقنا “الجمعية السورية لحفظ الآثار والتراث” والصور المتاحة للتوصل إلى الاستنتاجات. ولحسن الحظ، تمكنت من استرجاع بعض الصور والمعلومات الجديدة التي تظهر الأضرار التي لحقت بالمدرسة حتى نهاية عام 2017، ما ساعدني في إنهاء البحث.

“أتطلع إلى المساهمة في جهود ترميم مدينتي، حلب”

L.I.S.A.: ما هي خططك وأمنياتك لمهنتك المستقبلية؟

مصري: على المدى القصير، آمل أن أعمل على ترميم المباني التاريخية ومواصلة تطوير مهاراتي في هذا المجال. فأنا أعتقد أن العمل كمرمم للمباني التاريخية سيساعد في إعدادي لتولي مسؤوليات قيادة الفريق الموسعة في المستقبل، ولاسيما في سوريا.

توثيق “موقع حمام كليوباترا” التاريخي في بيرجاما/إزمير

وإضافة إلى ذلك، أخطط لمواصلة دراستي الأكاديمية والشروع في رسالة الدكتوراه في الترميم. وفي الوقت نفسه، سأواصل إجراء الأبحاث حول مدينة حلب – على غرار بحثي مع معهد الآثار الألماني (DAI) – وإعداد هذه المشاريع لتكون جاهزة للتقديم عندما تسنح فرصة مناسبة، حيث أرغب في إيجاد طريقة لتنفيذ مشاريعي البحثية، وأتطلع إلى المساهمة في جهود ترميم مدينتي، حلب، على أمل استعادة صورتها المشرقة التي كانت عليها قبل الحرب.


أجاب أحمد مصري عن الأسئلة أعلاه كتابةً.

صورة العنوان: السيد مصري في أثناء عمله على توثيق المدينة القديمة في حلب. تم استخدام البيانات التي تم جمعها في مشروعه.

المصدر: L.I.S.A.


Facebooktwitteryoutube
Facebooktwitter

Andere Artikel

الأحدالأحد/أبريلأبريل/2021202120212021
Scheduled المشروع مقابلة تهدد الحرب في اليمن حياة الناس وتراثهم الثقافي، دون أن يعير العالم الاهتمام إلى كمّ الخسارة الناتجة عن هذه الحرب. تعمل عالمة الآثار الدكتورة إيريس جيرلاش مع...
الأثنينالأثنين/أكتوبرأكتوبر/2020202020202020
برنامج حُماة التراث الثقافي يفوز بجائزة “أفضل ما في التراث” عن مفهومه الناجح والمبتكر. (المزيد…)
الأحدالأحد/سبتمبرسبتمبر/2020202020202020
23. سبتمبر 2020 Scheduled أخبار تقرّر تنفيذ مؤتمر ” استعراض الوضع على الأرض – التراث الثقافي وتغير المناخ”، الذي تم تأجيله بسبب جائجة كوفيد 19 التي ألمت بالعالم أجمع، ضمن...